السبت، 28 مارس 2009

الحكامات" في السودان

:إعلاميات شعبيات في خدمة قضايا المرأة الحكامات هن نساء ذوات مكانة إعلامية عالية في مجتمع غرب السودان الريفي في مناطق "دار فور" و"كردفان". وهن نموذج للإعلاميات الشعبيات في الوطن العربي. فالحكامة هي التي تضع قوانين وأسس المجتمع في الأخلاق والكرم والشجاعة والجود، بل هي التي تثير الحروب بين قبائل المنطقة أو توقفها من خلال الأشعار والأهازيج والأقوال المرتجلة التي تنطق بها. ولهذا يهابها كل أفراد القبيلة والمجتمع ويخافون لسانها إذا ما أخطؤوا أمامها ويتقرب إليها كبار العشيرة حتى تتحدث بمفاخرهم وتذيعها في القبيلة والقبائل المجاورة التي تتناقل ما تقوله الحكامات ... والحكامة أيضا هي حافظة تراث القبيلة وتاريخها وسير رجالها وأبطالها... ترويها في أفراحهم وأتراحهم... وهي التي تخلد سيرة موتاهم بقصائد غاية في البلاغة والروعة. وعلى الرغم من أن معظم الحكامات أميات، لكهن يقلن الشعر بالفطرة، مما أكسب أشعارهن نوعا من المصداقية والأخلاقية … ونسبة لدورهن الإعلامي القوي، بدأت بعض المنظمات العاملة في مجال المرأة والطفولة والحكومة في توظيفهن في خدمة القضايا الاجتماعية مثل محاربة الأمية والعادات الضارة (الختان) ومحاربة الصراعات القبلية. "كوتريات" التقت مجموعة منهن للاستفادة من تجاربهن في كيفية توظيف الإعلام الشعبي في خدمة المرأة وقضاياها خاصة وأن الريف السوداني -مثله مثل بقية الريف العربي - يعاني من عدم وصول الإذاعة والتلفزيون والصحف (الإعلام المرئي -المسموع -المقروء) إليه بالإضافة إلى تفشي الأمية بنسبة عالية. الفخر بالأهل والعشيرة من أهم أشعار الحكامات تلك القصائد التي يفخرن فيها بالأهل والعشيرة ويمجدن فيها الآباء والاخوان والأجداد، كما كان يحدث في الجاهلية... وتقول خديجة حماد، إحدى الحكامات إن الفخر بالآباء هو أحد أهم القضايا وتقدم نموذج من قصائدها في أبيها قائلة : أبوي ألا حمد والحماد الغالي ما رخيص أبوي ركاب بنات سعدان (بنات سعدان هي الخيل) وفراش فروة الريف أبوي الأسد الزنيف كان لقى العدو منو ما بقيف وتقول في الفخر بأجدادها : جدودي فراس ولكن الدنيا زائلة ظعينا سايره من الضحى حتى الغائلة وتقول حلمية : أنت يا أبوي البحر مع القدرك مفرهد ذي نونية الدهر أنت كأس الحنظل كان شموه أتبعثر أنت كوكب شنقة (نوع من الحراب يستخدم في القتال بالمنطقة) في البطون اتحدر أبوي في الحرب الأولى ما قبل أبوي وش الرجال اتقبل أبوي أسد الكوكة على البدواة هضلل وتضيف في الفخر بأهلها : أهلي عزاز عز الوطن وعز أهلي أهلي الطبرنة أم سبل آلفي البطون تجري أهلي "آم در" "آم دية" (أسماء للإبل) اللجعان تعشي أهلي البعشو الضيف يوم الجعد تجري أهلي البسدو الحامية يوم حموها يغلى أهلي العدلو المايلة أم حبل ملوي أهلي سيف على الكرار آلما بتلوي الحكامات والغزل وللحكامات جرأة نادرة وشجاعة في إبداء إعجابهن بالرجال من دون تحفظ أو خجل، حيث يمجدن أبناء العم والخال بطريقة تشبه شعر الغزل في الجاهلية . فالحكامات يتغزلن في أخلاق الرجال وكرمهم وشجاعتهم واحترامهم للمرأة في قصائد رائعة. تقول خديجة مثلا : يا ود حمد الله الصعب ماك الخشيد (الجبان) الجلوس انحدب أنت المسوم ياقوت الدهب قلبك حجر كسلا (حجر شديد الصلابة) لا خاف لا أترهب فارس مجرب رجا لتك ما هي نصب الحكامات والنوع الاجتماعي ونسبة لسرعة انتشار أقوال الحكامات واشعارهن في المنطقة والمناطق المجاورة، حيث يعد الإعلام الشفهي أسرع انتشارا من المكتوب كما يقول علماء الاتصال، ونسبة للدور القوي الذي تقوم به الحكامة وسط القبيلة والقبائل المجاورة لها، فقد رأت بعض المنظمات العاملة في مجال الأمومة والطفولة والسلطات الحكومية الاستفادة من هذه السلطة الإعلامية القوية وتوظيفها لخدمة قضايا المرأة والنوع الاجتماعي ومعالجة المشاكل المنتشرة بالمنطقة، مثل الأمية ومحاربة أمراض الطفولة والصراعات القبلية مما أحدث تحولا بالمنطقة. فصاغت بعضهن قصائد في محو الأمية والدعوة للتطعيم وغيرها. تقول حليمة مثلا : محينا الأمية وارتحنا من عزابا ركبنا الحروف وعرفنا مضرابا وحفظنا القراية وعرفنا الكتابا وتقول أيضا : خليك عفيف وبالعفة كمل السماحة عشان تنجب أطفال زي التفاحة يا شعب الفرصة ليك متاحة نظف البيئة نفسك تكون مرتاحة وقد كان للحكامات دور فعال في محاربة الصراعات القبلية بأشعارهن وأقوالهن. فعندما اعتبرت الحكامات الصراع نوعا من عدم الشجاعة والمروءة وفيه ضرر على القبيلة، تراجع الرجال عنه. الحكامات ضد الهجاء وتقول الحكامات إننا ضد بث قصائد الهجاء لأن الذي نهجوه لن يستطيع أن يعيش في القبيلة مرة أخرى. فأشعارنا فيه تتناولها كل القبائل، مما يجعله منبوذا في المنطقة. ولهذا لا نهجو إلا الذي يرفض الخروج للنفير والمساعدة في أعمال الزراعة ورد الغزوات ضد القبيلة ونطلق عليه (قعيد البيت). ومن نطلق عليه هذا اللقب، فإنه لن يستطيع الخروج من بيته مرة أخرى خجلا. ولهذا يخشى كل الرجال هذا اللقب، فيحرصون على المشاركة في كل أعمال القبيلة ونجدتها ونصرة المرأة. وتقول خديجة إنها هجت أحد الرجال، فلم يستطع بعدها البقاء في القبيلة. لهذا فهي تحرص على عدم الهجاء. الحكامات في غرب السودان نموذج للإعلاميات الشعبيات، بل لهن أثر أكبر وأعظم من الإعلام الرسمي بالمنطقة، مما جعل الحكومة تعمل على استغلالهن في تنفيذ سياساتها التنموية بالمنطقة وتعد التجربة ناجحة. فالحكامات لهن دور عظيم في إحداث التغيير في المجتمع الذي يعيشن فيه خاصة وأنهن يجدن القبول والاحترام من النساء والرجال بل كل مجتمع المنطقة . لا أعتقد أن هذه الظاهرة الإعلامية الشعبية قاصرة على السودان فحسب، فهي ظاهرة منتشرة في المجتمع الريفي في الوطن العربي حيث الأمية والفقر والمرض. ولو أحسن استغلالها، لأمكن إحداث تغيير اجتماعي هائل في أوضاع المجتمع عامة والمرأة خاصة. ونلاحظ أن هذه السلطة الإعلامية الشعبية النسائية لا تقابلها سلطة إعلامية رجالية شعبية مماثلة مما يجعلها ذات أثر فعال في التغيير الاجتماعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق